السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لكي نجيب على هذا التساؤل..لابد من استعراض أمور مهمة...تبدأ كالتالي:
أثناء تصفحي وتأملي لبعض المسائل الرياضية في كتاب اسمه (mathematical methods for science students) لمؤلفه Stephenson وجدت أنني بدأت استصعب مفاهيم رياضية معتادة ومعروفة (كالمتراجحات مثلا)كلما أمعنت النظر وأكثرت من التفكر والتأمل...يا إلاهي ماذا دهاني؟ مسائل بسيطة كهذه تتحول في نظري إلى طلاسم ؟ هل الإشكال في قدرتي على الفهم أم ان هناك سر ما؟
أخذت بعد ذلك ادرس هذه الحالة النفسية وهذا الموقف الذهني تجاه الرياضيات. تذكرت أن هناك كثير من الطلاب الزملاء لي قديما يفكرون بنفس الطريقة فيصيبهم الرهاب من مادة الرياضيات. ما هو السبب يا ترى؟
بعد تدبر وتقييم لوضع علم الرياضيات على مستوى الفرد وعلى مستى الجماعة لا حت لي بعض الأسباب التي استرعت انتباهي. ولكن قبل أن أذكرها أود أن أؤكد على أنني لست أتحدث عن الذين لديهم معتقدات سلبية عن الرياضيات بسبب تخويف المجتمع من أصحاب وأهل وغيرهم. أنا أتحدث عن الذين يتسببون بأنفسهم في إحداث معتقدات لأنفسهم بسبب نظرتهم العميقة للمفاهيم الرياضية. وهؤلاء هم حديثي في هذا الموضوع.
السبب الأول: على مستوى الفرد:
وهؤلاء وجدت أنهم لا ينظرون للمفاهيم الرياضية نظرة سطحية تهتم فقط بالخطوات الإجرائية الرياضية فحسب مثل افعل كذا ثم اذا حصلت على الناتج فاصنع به هكذا إلى غير ذلك من العبارات التي يحبها الباحثين عن النجاح في الامتحان والوظيفة والتخلص من المادة. هؤلاء مهتمون بمعرفة العلل والأسباب خلف كل مفهوم رياضي ويسألون لماذا هذه هكذا؟ كيف جاءت هذه؟ لا بد أن هناك سبب ما ؟ وما هي مناسبة هذا الاصطلاح؟ وغيرها من العبارات الدالة على النظر العميق للأمور المتجاوز للسطح والمظهر. ولكن المشكلة ماذا سيحصل لمثل هؤلاء إذا اصطدموا بمعلم (وأحيانا بروفيسور!!!) لا يفسر لهم هذه المبهمات على نحو علمي منطقي كافٍ ؟؟ في الحقيقة هنا تحصل المشكلة ويصطدم الطالب المفكر بأول معضلة وهي عدم وجود التفسير المنطقي العميق لطبيعة هذه المسألة الرياضية أو تلك. وأذكر (ولا زلت ولله الحمد) أنني كنت من أولئك ولم أجد للأسف ذلك المعلم أو الدكتور البارع الذي يكشف خبايا المسألة ويظهر أسسها المبدئية. ولذلك نجد كثيرا من المتفوقين في الرياضيات ولكنهم لا يحسنون تفسيرها بشكل واضح ومقنع. وأذكر على ذلك مثالا أن أخي الذي يصغرني متفوق في الرياضيات تفوقا بامتياز ولكني عندما طلبت منه أن يفسر المقصود بقولنا "قطع ناقص" ، هكذا كمفهوم ومعنى في نفسه لم يحرك ساكنا وقال لي:"لا أدري".